سر الكبريت المخفي في أعماق الكون يكشفه “ذهب المغفلين”.. اكتشف الحقيقة الآن

كبريت الفضاء بين النجوم في حالته الغازية والصلبة: تتبع دقيق بواسطة تقنية الأشعة السينية الحديثة

لأول مرة في تاريخ الفلك الحديث، تمكن العلماء من تتبع أثر كبريت الفضاء بين النجوم ليس فقط ضمن حالته الغازية، بل وأيضًا كمادة صلبة تكشف عن ألغاز تركيب الكون؛ وذلك باستخدام تقنيات الأشعة السينية المتطورة التي فتحت آفاقًا جديدة لمعرفة تركيب هذه العناصر في الفضاء العميق.

تقنية تتبع كبريت الفضاء بين النجوم في حالته الغازية والصلبة

يشكل تتبع كبريت الفضاء بين النجوم تحديًا كبيرًا، لأن الكبريت يتركب من مادتين أساسيتين: الحالة الغازية، والحالة الصلبة التي تندمج فيها مع مركبات أخرى؛ ويتم التركيز مؤخراً على تتبع هذه الحالات معًا لفهم أعمق لمصادره وتأثيره. وكان فريق دولي من علماء الفلك، يضم باحثين من اليابان والولايات المتحدة وأوروبا، قد توصل إلى هذه الإمكانية باستخدام أشعة سينية قوية قادمة من نجم بعيد كمصدر إشعاعي، وسحابة غبار كونية تُعامل كجسم يخضع للفحص. هذه الطريقة تتشابه مع الفحوصات الطبية التي تعتمد على امتصاص الأشعة السينية لاكتشاف المحتويات داخل الجسم، حيث قام العلماء بتحليل تغير الضوء أثناء عبوره هذه السحابة.

الأمر لم يكن سهلاً، لأنهم احتاجوا إلى اختيار نجم كثيف الإشعاع وموجه خلف سحابة غازية تناسب شروط التفاعل؛ فوقع اختيارهم على نجم ثنائي يسمى “جي إكس 340+0” يبعد عن الأرض أكثر من 35 ألف سنة ضوئية. هذه السحابة تتسم بكثافة معتدلة كي تسمح بمرور الأشعة السينية بكمية مناسبة لتفاعلها مع محتويات الغبار والغاز داخلها، مما أتاح للباحثين تحليل حالة الكبريت بشكل دقيق سواء في صورته الغازية أو الصلبة.

اكتشافات مرصد إكسريزم الياباني في دراسة كبريت الفضاء بين النجوم

لعب مرصد الأشعة السينية “إكسريزم” الياباني دورًا محوريًا في هذه الدراسة، بعد أن أُطلق في مهمة فضائية عام 2023 بالتعاون بين وكالة الفضاء اليابانية ووكالتي ناسا والفضاء الأوروبية؛ حيث يتميز المرصد بأدواته المتقدمة مثل مطياف “ري-زولف” الذي يتمتع بدقة عالية في قياس طيف الأشعة السينية. هذه الدقة مكنت الفريق من الكشف عن تركيب مكونات سحابة الغبار المعروفة بأنها تحتوي على الكبريت، لكن الكشف الأبرز كان اكتشاف الكبريت في صورته الصلبة، ممزوجًا بالحديد على هيئة مركبات معدنية مثل البايرايت، المشهور أيضًا باسم “ذهب المغفلين”، إضافة إلى مركبات أخرى مثل التتروليت والبيروتيت التي توجد عادة في النيازك التي تصل إلى الأرض.

• بايرايت (ذهب المغفلين): يشبه الذهب لكنه عديم القيمة
• تروليت: مركب كبريتيد الحديد
• بيروتيت: مركب يغلب عليه وجود كبريتيد الحديد والمعادن

هذا الاكتشاف ورد في دورية “بابليكيشنز أوف ذي أسترونوميكال سوسايتي أوف جابان”، مما يعد تطورًا بارزًا في دراسة العناصر بين النجوم ويدعو لإعادة التفكير في توزيع العناصر الكيميائية في الكون.

الأهمية العلمية لتتبع كبريت الفضاء بين النجوم في حالته الغازية والصلبة

يحظى تتبع كبريت الفضاء بين النجوم بأهمية كبيرة لأنه عنصر حيوي في كيمياء الحياة على الأرض، حيث يدعم العديد من وظائف الخلايا والعمليات الحيوية. أما في الفضاء، فإن تحول الكبريت بين الحالة الغازية والصلبة يحدث بسهولة، مما يجعل متابعته صعبة للغاية؛ لكن مرصد “إكسريزم” قدم حلاً فريدًا هذا العام، إذ تمكن من رصد الكبريت في كلا الحالتين مما سهل فهم توزيع هذا العنصر. تعلن إدارة ناسا، من خلال بيان حديث، أن تتبع الكبريت وفهم كيفية تواجده بين النجوم ليس فقط يرسم خريطة أوضح لتكوين العنصر في الكون، بل يقدم أيضًا إشارات مهمة حول دوره في تكوين النجوم والكواكب وربما وجود حياة.

يبقى “ذهب المغفلين” رمزا غريبا يخادع الباحثين على الأرض، لكنه في الفضاء أصبح المفتاح الذهبي لفهم أسرار الكون العميقة، وإدراك الروائع التي أبدعها الخالق سبحانه وتعالى من خلال تركيب هذه المادة الحيوية التي تجمع بين أشكال مختلفة وتجسد قصة تطور العناصر في الفضاء الواسع، وهذا الكشف الجديد يفتح الباب أمام آفاق علمية غير مسبوقة تستمر في إسهابه في الأبحاث القادمة.