مديحة كامل.. تجسيد سينمائي بين عوالم نجيب محفوظ وتولستوي

مديحة كامل بين نجيب محفوظ وتولستوي.. سينما الفكر والإنسان هي واحدة من أبرز النجمات اللواتي شكلن دراما إنسانية مركبة على شاشة السينما المصرية من خلال أدوارها المستمدة من أعمال أدبية محلية وعالمية، حيث جسدت شخصيات تعكس عمق الفكر وتعقيدات النفس، مما جعل حضورها الفني علامة مميزة لا تُنسى في تاريخ الفن المصري الحديث.

مديحة كامل وأثر الأعمال الأدبية في بناء شخصيات معقدة

ولدت الفنانة المصرية مديحة كامل في الثالث من أغسطس عام 1948، وكان اسمها مرتبطًا دومًا بجمال الشاشة وسحر الحضور، لكنها تجاوزت حدود المظهر، لتبرز كإحدى أبرز نجمات السينما التي أبدعت في تمثيل الدراما الإنسانية المعقدة عبر أدوار مأخوذة من أدب محلي وعالمي فريد. لم تكن مديحة كامل مجرد وجه جذاب في أفلام تجارية بل كانت فنانة واعية لاختياراتها الفنية، تملك القدرة على تجسيد شخصيات محورية تحمل بين طياتها صراعات نفسية واجتماعية، مما أضفى على السينما المصرية روحًا جديدة من التمثيل المتقن والسينما الفكرية والإنسانية.

البداية مع نجيب محفوظ وتجربة السينما المستوحاة من الأدب العالمي

تعد علاقة مديحة كامل بالأدب وثيقة ومتجذرة منذ بداياتها، حيث بدأ تعاونها المبكر عام 1970 في فيلم “دلال المصرية” الذي شارك في كتابة سيناريوه نجيب محفوظ، وكان ذلك أول تلاقي مباشر بينها وبين الأدب العالمي. وفي نفس العام، ظهرت بدور صغير في فيلم “الاختيار” للمخرج يوسف شاهين، والذي تناول موضوع انفصام الشخصية في إطار بوليسي نفسي، بمساهمة نجيب محفوظ في السيناريو، ما أضاف لأول أدوارها طابعًا إنسانيًا مركبًا. أما الانطلاقة الحقيقية فأتت مع فيلم “السكرية” عام 1973، المأخوذ عن الجزء الثالث من ثلاثية محفوظ، حيث جسدت مديحة كامل دور موظفة في دار نشر وزوجة أحد أبناء عائلة عبدالجواد، مقدمة دراما اجتماعية كانت بمثابة مرآة لتغيرات جيل جديد من المصريين وتحولات المجتمع.

مديحة كامل والتمثيل المستند إلى الأعمال الأدبية الكلاسيكية والمعاصرة

ما بين أواخر السبعينيات وبدايات الثمانينيات، اتجهت مديحة كامل إلى تقديم أدوار مستمدة من تراكم الأدب العالمي والروسي والأميركي، مع المحافظة على ارتباطها بالأدب المصري المعاصر. فقد أدى دور “منار” في فيلم “دعاء المظلومين” 1977، المقتبس من المسرحية الفرنسية “الولدان الشريدان” لبيير كورسيل، ودور “هالة” في “الرغبة” 1980، المستوحى من شخصية “ديزي” في رواية “غاتسبي العظيم”، الذي جمع بين الحنين والرغبة والثراء، كما تألقت في “أشياء ضد القانون” 1982، المأخوذ عن رواية “البعث” للأديب الروسي ليو تولستوي، حيث تناول الفيلم موضوعات الضمير والغفران والعدالة. أيضاً كان لها حضور قوي في فيلم “عيون لا تنام” 1981، حيث جسدت شخصية معقدة مأخوذة من مسرحية “رغبة تحت شجرة الدردار” للكاتب أوجين أونيل، إذ تعكس الصراعات بين الطمع والعاطفة والأمومة الزائفة.

على صعيد الأدب المصري المعاصر، برزت مديحة كامل بتقديم شخصيات نسائية تحمل أبعادًا نفسية واقعية، منها “سعاد” في “بعيدًا عن الأرض” 1976 عن رواية إحسان عبد القدوس، و”سوزي” في فيلم “أمواج بلا شاطئ” 1976، المقتبس عن رواية ثروت أباظة، إلى جانب أعمال مثل “ولكن شيئًا ما يبقى” 1984، حيث لعبت دور “زينات”، عشيقة المحتال “عزيز”، في قصة تتناول عالم الخداع والانهيار الأخلاقي بحسب روايات فتحي أبو الفضل.

  • أدوارها المستمدة من الأدب المحلي والعالمي أضفت بُعدًا فكريًا وإنسانيًا
  • اختياراتها الفنية كانت تعبيرًا عن وعيها ومكانتها كفنانة ذكية
  • كان تمثيلها يعكس احترامها لعقل الجمهور والبحث عن أعمال ذات عمق وثقل درامي

استطاعت مديحة كامل عبر هذه الأعمال، المزج بين الرقة والقوة، وأن تقدم صورة متعددة الأبعاد للمرأة في السينما المصرية، فتجمع بين السطوع الخارجي والتعقيد الداخلي، مما جعلها رمزًا للدراما الواقعية والتمثيل الصادق، وترك بصمة مؤثرة في وجدان جمهور الفن المصري الذي يهوى الدراما المفعمة بالفكر والإنسانية. ورغم رحيلها المبكر عام 1997، يبقى اسم مديحة كامل مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بسينما الفكر والإنسان، التي جسدت براعة تمثيلية استثنائية نابعة من عمق التجربة الفكرية والأدبية.