انهيار حاد في الريال اليمني بمدينة عدن مقابل استقرار في صنعاء.. كيف يؤثر ذلك على الاقتصاد؟

الانهيار الحاد للريال اليمني وتأثير الانقسام النقدي على الاقتصاد والحياة اليومية

تشهد العملة اليمنية انهياراً حاداً وانقساماً نقدياً واضحاً يعكس تعقيدات الصراع المستمر في البلاد، حيث انخفض الريال اليمني بنسبة 51% في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً خلال عام واحد، بينما ظل مستقراً نسبياً في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون؛ ما يكشف عن اختلاف استراتيجيات إدارة الأزمة الاقتصادية في اليمن وتأثيرها الكبير على الوضع المالي والمعيشي.

تباين سعر صرف الريال اليمني وانعكاساته الاقتصادية في مناطق الصراع

شهد سعر صرف الدولار ارتفاعاً ملحوظاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية؛ إذ ارتفع من 1890 ريالاً في يوليو 2024 إلى 2865 ريالاً في يوليو 2025، في حين شهدت مناطق الحوثيين تراجعاً طفيفاً من 524 إلى 534 ريالاً للدولار الواحد خلال نفس الفترة. يكشف هذا التباين في سعر الصرف عن اختلاف كبير في السياسات النقدية والرقابة الاقتصادية، حيث تحاول سلطات الحوثيين الحفاظ على استقرار ظاهر للريال باتباع ضوابط صارمة، بينما تكافح الحكومة الشرعية ظاهرة المضاربة والتلاعب بأسعار العملة، وهذا الانقسام النقدي يعكس عمق الأزمة التي تعيشها البلاد.

الإجراءات الحكومية والبنك المركزي في مواجهة انهيار الريال اليمني

في محاولة لمواجهة تدهور الريال اليمني المستمر في مناطق الحكومة، شهدنا تحركات صارمة من البنك المركزي في صنعاء، حيث أصدر تعميماً يحظر على البنوك وشركات الصرافة التعامل مع ما وصفها بـ “الجهات في المناطق المحتلة”، وهدد باتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد المخالفين. بالمقابل، أقرت اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات بالموافقة على 91 طلباً بقيمة تقارب 39.7 مليون دولار من أجل استيراد السلع، ما يعكس جهد الحكومة في توفير العملة الأجنبية وتنظيم السوق.

ومن جهة أخرى، اتخذ البنك المركزي في عدن خطوات جدية مثل سحب تراخيص 23 شركة صرافة مخالفة خلال فترة قصيرة وتنفيذ عمليات إغلاق من قبل قوات مكافحة الإرهاب، مما أدى إلى تحسن ملحوظ في سعر صرف الريال من 2800 إلى 1630 ريالاً للدولار خلال أسبوع واحد، وهو مؤشر هام على جدية الإجراءات الحكومية لمواجهة الأزمة المالية الصعبة.

تأثير الانقسام النقدي على المعيشة وضغوط دولية على جماعة الحوثي

يتجاوز انقسام الريال اليمني أرقامه إلى تأثير مباشر على الحياة اليومية؛ فالقيمة الشرائية للريال في مناطق الحوثيين أقل مما تظهره الأرقام الرسمية، إذ تشير مقارنة أسعار السلع والدواء إلى ارتفاع تكلفتها هناك مقارنة بمناطق الحكومة عند حسابها بالدولار أو الريال السعودي، ما يشكل تحديات حقيقية للمواطنين.

إقليمياً، تتعرض جماعة الحوثيين لضغوط مالية متزايدة بفعل إجراءات دولية تنسقها عدة دول، منها فقدان مبالغ كبيرة كانت مودعة في مؤسسة “القرض الحسن” في لبنان بعد قرار حظرها، فضلًا عن ضربات مالية من بنك الرافدين العراقي الذي أُغلِق فرعه في صنعاء بناء على طلب واشنطن. وضمن جهود تجفيف منابع التمويل، تعمل الولايات المتحدة مع الحكومة اليمنية في عدن على تطبيق إصلاحات مالية شاملة تهدف إلى منع المضاربة واستغلال فروق الصرف بين المناطق المختلفة.

ويؤكد وزير الخارجية اليمني، الدكتور شائع الزنداني، أن تحسن سعر صرف الريال يرتبط بشكل أساسي بانسجام مؤسسات الدولة والإجراءات الصارمة ضد المضاربين، مشيراً إلى أن هذه الوحدة وضعت حل الأزمة المالية على رأس أولوياتها. المواجهة بين البنكين المركزيين في صنعاء وعدن تُظهر مدى تعقيد الانقسام الاقتصادي، حيث يمنع كل طرف التعامل مع الآخر، ما يزيد من معاناة المواطنين الذين يضطرون للعمل ضمن نظامين نقديين منفصلين يشكلان عبئاً على الاقتصاد.

• إجراءات البنك المركزي في صنعاء ضد شركات الصرافة المخالفة
• موافقة اللجنة الوطنية على طلبات تمويل الواردات بقيمة 39.7 مليون دولار
• سحب تراخيص وإغلاق 23 شركة صرافة في عدن لتثبيت سعر الصرف
• التنسيق الدولي لتجفيف مصادر تمويل الحوثيين

تكشف أزمة الريال اليمني عن أبعاد أعمق للصراع الاقتصادي إلى جانب النزاع العسكري، حيث تتصاعد المعارك المالية في ظل تضييق الحوثيين الخناق على سكان مناطقهم بفرض جبايات ورسوم تتضخم لتمويل مشاريعها الطائفية والممارسات الإرهابية، مما يضع السكان تحت ضغط مزدوج؛ اقتصادياً واجتماعياً. وتكشف التطورات المتلاحقة عن انكشاف مالي كبير لجماعة الحوثيين بفعل الخطوات الدولية والمنسقة مع الحكومة اليمنية، ما يجعل الجماعة أمام خيارات معقدة بين قبول التحول السياسي والتخلي عن السلاح، أو خوض حرب مستمرة دون دعم مالي، وسط مراقبة دقيقة لمسارات طباعة العملة المطبوعة خارج القانون، والتي تحاول الحكومة اليمنية قطع منابعها بالتعاون مع دول إقليمية.