نصيحة مثيرة.. تداعيات رفض صندوق النقد وتأثيرها على الاقتصاد الوطني

هل الابتعاد عن صندوق النقد الدولي هو المسار الصحيح للاقتصاد المصري؟ هذه التساؤلات تراود الكثيرين بعد تصريحات الاقتصادي المصري البارز محمود محيي الدين الذي أشار إلى غياب تحرك حقيقي في الإنتاج خلال العشر سنوات الماضية، مطالبًا بسياسة اقتصادية قائمة على النمو والتنافسية بدلاً من الاعتماد على صندوق النقد.

تحليل تصريحات محمود محيي الدين حول الاقتصاد المصري والابتعاد عن صندوق النقد الدولي

أكد محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية، في حديثه مع “العربية Business” أن الاقتصاد المصري لم يشهد تحركًا حقيقيًا في الناتج المحلي الثابت منذ عامي 2015 و2016، على الرغم من تجاوز مصر أزمة السوق السوداء؛ موضحًا أن الناتج المحلي الإجمالي لا يتجاوز 350 مليار دولار، بما يعادل 0.3% فقط من الاقتصاد العالمي، رغم أن مصر تمثل قرابة 1.3% من سكان العالم، مما يشير إلى وجود خلل في أداء الاقتصاد المحلي. بناءً على هذا المعطى، طالب محيي الدين بالابتعاد عن صندوق النقد الدولي واعتماد نموذج اقتصادي يؤدي إلى تعزيز التنافسية والنمو والابتكار بدلاً من الاعتماد على القروض والشروط المفروضة.

وهذا الموقف أثار جدلاً بين الخبراء، إذ أن بعض الاقتصاديين أشاروا إلى أن هناك اختلافاً بين الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والناتج المحلي الإجمالي الاسمي، وهو فارق جوهري يجب فهمه عند الحديث عن نمو الاقتصاد المصري في العقد الماضي.

الفارق بين الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والاسمي في الاقتصاد المصري

الخبير المصرفي عز الدين حسانين أوضح أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يقيس حجم الإنتاج الفعلي للسلع والخدمات مع استبعاد تأثير التضخم، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي يعكس القيمة السوقية للإنتاج بما في ذلك تأثير تغير الأسعار والتضخم. فعلى سبيل المثال، قد تبقى الكميات المنتجة ثابتة خلال السنوات، لكن ارتفاع الأسعار يعكس زيادة في الناتج الاسمي على الورق دون زيادة فعلية في الإنتاج.

وهذا يفسر ارتفاع الناتج المحلي الاسمي الذي شهد نموًا من 2 تريليون جنيه في 2015 إلى نحو 20 تريليون جنيه في 2025، ويرجع ذلك أساسًا إلى الإنفاق الحكومي الضخم على المشروعات القومية، مثل المدن الجديدة (العلمين)، وشبكات الطرق والكباري، والبنية التحتية، والتي ساهمت في رفع القيمة الاسمية للناتج. ومع ذلك، لا يُعبر ذلك بالضرورة عن زيادة ملحوظة في حجم السلع والخدمات المنتجة فعليًا، وهو ما ينطبق على تعليقات محيي الدين حول الركود في الإنتاج الحقيقي.

  • الناتج المحلي الحقيقي يُعبر عن الإنتاج الفعلي بدون تأثير التضخم
  • الناتج المحلي الاسمي يأخذ بعين الاعتبار قيمة الإنتاج حسب الأسعار السائدة
  • ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى تضخيم قيمة الناتج الاسمي دون زيادة فعلية في الإنتاج

هل الابتعاد عن صندوق النقد الدولي خيار واقعي للاقتصاد المصري؟

رغم دعوة محمود محيي الدين للابتعاد عن صندوق النقد الدولي، يجدر ملاحظة أن مصر لجأت إلى الصندوق في 2022 للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار بهدف مواجهة التحديات الاقتصادية التي ظهرت إثر جائحة كورونا والأزمات العالمية، وفق إجراءات إصلاحية شملت تحرير سعر الصرف وفتح المجال أمام القطاع الخاص عن طريق بيع بعض الأصول. وفي 2024، زاد صندوق النقد قيمة القرض إلى 8 مليارات دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي، ونفذت مصر أربع مراجعات حازت خلالها على 3.3 مليار دولار.

وبالرغم من الاعتراضات، يرى بعض الخبراء مثل وليد جاب الله أن التعاون مع صندوق النقد يتم وفق برنامج مصري محكم يراعي الخصوصية المحلية، ويحقق توافقًا مع المعايير الدولية، ما يُعزز الاستقرار الاقتصادي ويُساهم في تحقيق معدلات نمو حقيقية. وأظهرت بيانات وزارة المالية نموا حقيقيًا في الناتج المحلي المصري بنسبة 4.5% للسنة المالية 2024-2025، وهو مؤشر إيجابي يعكس تحسنًا اقتصاديًا مدعومًا بالإصلاحات المرتبطة بتمويل صندوق النقد وزيادة نشاط الصناعات التحويلية.

السنة المالية نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي
2023-2024 2.4%
2024-2025 4.5%

هذا النمو المستمر رغم التحديات يدفع إلى تقييم دقيق حول الحاجة إلى الابتعاد عن صندوق النقد الدولي، خاصة وأن الإصلاحات المطلوبة تحقق نتائج ملموسة قد ترفع من تنافسية الاقتصاد المصري وتعزز قدرته على التوسع والنمو الحقيقي.