الذهب يرتفع إلى مستويات تاريخية مع استمرار التوترات الاقتصادية والسياسية التي تزيد من جاذبيته كملاذ آمن. في الثاني من سبتمبر 2025، سجل الذهب سعرًا فوريًا تجاوز 3,508 دولار للأونصة، فيما وصلت العقود الآجلة لشهر ديسمبر إلى 3,578 دولارًا، مما يمثل رقمًا قياسيًا جديدًا يعكس ضغط عوامل متعددة منها توقعات خفض الفائدة، ضعف الدولار، وتصاعد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية.
العوامل المؤثرة في صعود الذهب وأسعار الأونصة التاريخية
تستمر عوامل عدة في دفع الذهب إلى القفزات السعرية التي سجلها مؤخراً، وأبرزها توقعات خفض الفائدة الأمريكية التي تُصْدَر عبر أداة CME FedWatch، والتي تشير إلى احتمالية 85% لخفض الفائدة 25 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر. تاريخيًا، تيسير الفيدرالي الأميركي للفائدة أدى إلى زيادة الطلب على الذهب، إذ يُخفض خفض الفائدة تكلفة الفرصة البديلة لشراء المعدن النفيس، ويُضعف الدولار، مما يعزز جاذبية الذهب عالميًا.
من جانب آخر، يشهد مؤشر الدولار الأميركي تراجعًا إلى أدنى مستوياته الشهرية، وهو عامل مهم يعزز أسعار الأونصة، حيث يجعل الذهب خيارًا أكثر جاذبية للمستثمرين حول العالم، خصوصًا في ظل تعرض الاقتصاد الأمريكي لمخاطر سياسية وتجارية غير مسبوقة. كما أن السياسات التجارية المتشددة التي فرضت تعريفات جمركية واسعة في عهد الرئيس السابق ترامب ما زالت تلقي بظلالها على سلاسل التوريد والتضخم.
تشير بيانات مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي لشهر يوليو إلى زيادة بنسبة 0.3% شهريًا و2.6% سنويًا، ما يظهر تضخمًا تحت السيطرة لكنه لا يمنع الفيدرالي من تيسير السياسة النقدية وخفض الفائدة، وهو ما يدعم مسيرة صعود الذهب.
تاريخ الذهب وتطور أسعار الأونصة عبر العقود
مر الذهب بتحولات سعرية كبيرة على مدار العقود الماضية، ففي سبعينيات القرن الماضي كانت أسعار الأونصة لا تتجاوز بضع عشرات من الدولارات، قبل أن يبدأ المعدن النفيس رحلة تصاعد حادة مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي ليستقر عند حوالي 600 دولار، متأثرًا بالتخلي عن نظام بريتون وودز وتزايد التضخم العالمي.
في عام 2011، وصل الذهب إلى حوالي 1900 دولار للأونصة، في ظل أزمة الديون الأوروبية وبرامج التيسير النقدي الهائلة في الولايات المتحدة. عقب ذلك، شهد المعدن تراجعًا مع تحسن الأوضاع الاقتصادية وتشديد السياسة النقدية.
جاءت طفرة أخرى في 2020 حيث قفز الذهب إلى 2060 دولارًا بفعل تفشي جائحة كورونا وانهيار العوائد الحقيقية على السندات. وبحلول 2024، تخطى الذهب ذروة عام 1980 المعدلة للتضخم، مؤكدًا دخول سوق صاعد جديد. وفي بداية 2025، تجاوز الذهب حاجز 3000 دولار، والآن في سبتمبر 2025، تخطى حاجز 3500 دولار، وهو مستوى يمثل نقطة تحول تاريخية في أسعار الأونصة.
مستويات الدعم والمقاومة الفنية وتوقعات تحركات الذهب
تشير التحليلات الفنية إلى وجود مقاومات ودعومات رئيسية تحكم تحركات الذهب الحالية، حيث:
- المقاومة الأولى عند 3,435 دولارًا، واختراقها يزيد الأسعار نحو 3,700 دولار وربما أكثر.
- المقاومة النفسية الأساسية عند 3,500 دولار تُختبر حاليًا لرغبة السوق في مواصلة الارتفاع.
- الدعم الأول يتحدد عند 3,245 دولارًا، وهي منطقة شهدت زيادة كبيرة في السيولة الشرائية مؤخرًا.
- الدعم الثاني عند 3,150 دولارًا يمثل خط الدفاع في حال حدوث تصحيح سعري أوسع.
ويُشترط بقاء أسعار الذهب فوق نطاق 3,000 إلى 3,280 دولارًا ليظل المسار صاعدًا نحو 4,000 دولار، بشرط استمرار الظروف الاقتصادية الداعمة.
آراء الخبراء والتوقعات المستقبلية لأسعار الذهب
يرى الخبراء أن الذهب سيظل يستفيد من كل تراجع في عوائد السندات، وخفض في الفائدة، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، حيث أكدت HSBC أن الذهب يتلقى دعمًا ثابتًا من هذه العوامل، بينما تتوقع أوندا وصول الذهب إلى 3,700 دولار بنهاية 2025 إذا تم خفض الفائدة. من جانبها، ترى كيتكو أن ضعف الدولار والطلب المستمر من البنوك المركزية يدعمان الاتجاه الصاعد طويل الأمد.
الفترة الزمنية | التوقعات السعرية للذهب (دولار للأونصة) |
---|---|
قصير الأجل (حتى 3 أشهر) | 3,500 – 3,650 |
متوسط الأجل (حتى نهاية 2025) | 3,800 |
طويل الأجل (2026 وما بعد) | 4,000 خلال 12-18 شهرًا |
من المنطلق المذكور، فإن الذهب يثبت مجددًا أنه مرآة تعكس مخاوف الأسواق وطموحات المستثمرين، إذ انتقل من أسعار متواضعة في السبعينيات، إلى مستوى 600 دولار في الثمانينيات، إلى قمة 1900 دولار عام 2011، وصولًا إلى تجاوز 3,500 دولار حاليًا، مع مؤشرات واضحة على إمكانية تحقيق مراحل صعودية جديدة إذا استمرت العوامل الاقتصادية والسياسية الداعمة. المستقبل يحمل احتمالين مرتبطين بتحولات السوق؛ إما تصحيح سعري مغرٍ للشراء أو مستويات قياسية جديدة تتجاوز 4,000 دولار، خاصة مع استمرار تدفق الرياح الاقتصادية بما يشبه دفع الأشرعة الصفراء صوب آفاق أرحب.