خفة ظل.. فؤاد المهندس يتحدى المجتمع ببرنامج «كلمتين وبس» الذي يغير قواعد الحوار التقليدي

برنامج «كلمتين وبس» لفؤاد المهندس يجمع بين خفة الظل والمعالجة الذكية لقضايا المجتمع، مما يجعله علامة بارزة في تاريخ الكوميديا المصرية، ويعكس عبقرية هذا الفنان الذي ألقب بـ “مهندس البهجة” عبر مسيرته الفنية الحافلة بين السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون.

برنامج «كلمتين وبس» لفؤاد المهندس ومسيرته الفنية المميزة

وُلد فؤاد المهندس في عام 1924 بالقاهرة وسط عائلة متوسطة، وكان يحمل موهبة فذة منذ الصغر في الفكاهة وخفة الظل، التي جعلته يتفرد في مجال الفن. التحق بكلية التجارة في جامعة القاهرة، وهناك برز في فريق المسرح الجامعي، مما وضع لبنة بداية لمسيرته الفنية التي امتدت لعقود. لم يقتصر تأثيره على المسرح فقط، بل شمل السينما والإذاعة، حيث استطاع عبر برنامج «كلمتين وبس» أن يعالج القضايا الاجتماعية بأسلوب ساخر ذكي، مقدمًا للجمهور جرعة من الضحك والتسامر مع جرعات من الوعي الاجتماعي والسياسي.

برنامج «كلمتين وبس»: التجديد في الإذاعة وتأثيره الاجتماعي

يُعتبر برنامج «كلمتين وبس» لفؤاد المهندس من أشهر برامجه الإذاعية التي تلونت بخفة الدم والكوميديا الراقية، إذ عالج من خلاله قضايا اجتماعية مختلفة عبر حلقات قصيرة خفيفة الظل. ختم المهندس هذه الحلقات بعبارة «مش كده ولا إيه؟» التي أصبحت علامة مسجلة ومفضّلة لدى الجمهور، ومثالًا على الذكاء الفني في مخاطبة المجتمع. هذا البرنامج لم يكن مجرد تقديم فكاهي بل نافذة نقدية ساهمت في إثارة الحركة الفكرية بين الناس، ما جعل الكلمة والمعالجة الفنية تترافقان لتقديم رؤية مميزة.

أعمال فؤاد المهندس وإرثه الفني في المسرح والسينما والإذاعة

ترك فؤاد المهندس بصمة لا تُنسى في تاريخ الفن المصري، حيث شارك في العديد من الأفلام التي شكلت مرحلة مهمة في السينما، مثل «أرض النفاق»، و«أخطر رجل في العالم»، و«اعترافات زوج» و«العتبة جزاز»، إضافة إلى مشاركته مع كبار النجوم في أفلام خالدة مثل «الخطايا» و«معبودة الجماهير» مع عبد الحليم حافظ، وفيلم “البيه البواب” مع أحمد زكي. كما أن المسرح شكل له مملكة فنية خاصة، وقدم من خلاله مسرحيات تكاد لا تنسى، مثل «سك على بناتك» و«سيدتي الجميلة» و«إنها حقًا عائلة محترمة» و«هالة حبيبتي». إلى جانب برنامج «كلمتين وبس» الذي زاد من شهرته عبر الإذاعة.

امتلك فؤاد المهندس قدرة نادرة على إطلاق إفيهات خلّدت في الذاكرة الشعبية، منها:

• «المكنة طلّعت قماش» من فيلم “عائلة زيزي”
• «سك على بناتك لكن اعطيهم المفتاح» من مسرحية “سك على بناتك”
• «كنت سيبيه يمسكها يا فوزية» التي أصبحت جزءًا من الثقافة اليومية

وقد أشاد النقاد بفنه، واعتبروه مدرسة متكاملة في الأداء الكوميدي والاجتماعي، حيث وصفه الدكتور وليد الخشاب بأنه رمز للبهجة والحرية الوطنية، بينما اعتبره الناقد أحمد سعد الدين أستاذًا وكبيرًا صنعت أعماله نجومًا ملهمين. يُشار إلى أن فؤاد المهندس يُعتبر امتدادًا طبيعيًا للراحل نجيب الريحاني، حيث أسس مدرسة فنية خاصة عرفت بنجاحها في صناعة نجوم كبار مثل عادل إمام وشيريهان ومحمد أبو الحسن.

يبقى اسم فؤاد المهندس حيًا في ذاكرة الجمهور، حيث لا تزال محطات التلفزيون تعرض أعماله، وصفحات التواصل الاجتماعي تعيد نشر مقاطع من مسرحياته وأفلامه، مما يؤكد استمرارية الضحكة التي زرعها في قلوب ملايين الناس. برنامج «كلمتين وبس» يجسد نموذجًا مميزًا للأعمال الفنية التي تجمع بين الفرح والرسالة الاجتماعية، حين لا تتلاشى الكوميديا أمام الواقع، بل تصبح مرآة تعكس ما يعيشه المجتمع بخفة ظل وذكاء نادر. تظل عبارته «مش كده ولا إيه؟» تسمى روح التفاؤل وحس الدعابة الذي لا ينضب عبر الزمن.