تراجع مفاجئ.. مؤشر الدولار الأمريكي يشهد سقوطًا غير مسبوق في 2025

الدولار الأمريكي وتأثير العوامل الدورية والهيكلية على قيمته في 2025

شهد الدولار الأمريكي تطوراً بارزاً في قيمته خلال السنوات الماضية، حيث ارتفعت العملة الخضراء بأكثر من 50% مقابل سلة من العملات الرئيسية على مدى 15 عاماً، وذلك من نهاية الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون الأوروبية بين 2008 و2011 حتى تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة للمرة الثانية في 2025. استند ذلك إلى التفوق المستمر للأسواق المالية الأمريكية واعتماد المستثمرين الدوليين على سندات الخزانة والأسهم الأمريكية، مستفيدين من عمق وأمان الأسواق الأمريكية.

الدولار الأمريكي بين التفوق المالي والتحديات الهيكلية في 2025

لقد كان الدولار الأمريكي محور جذب كبير للمستثمرين الدوليين بسبب الأمان المؤسسي والجيوسياسي الذي تتمتع به الولايات المتحدة، ما دفع رؤوس الأموال إلى الدخول بقوة، ورفع قيمة العملة بشكل ملحوظ خلال فترة طويلة. لم تعكس قوة الدولار فقط التغيرات الدورية، بل أكدت أيضاً مكانة الولايات المتحدة كملاذ مالي آمن. مع ذلك، بدأ الدولار يواجه عقبات هامة في عام 2025، حيث هبط مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) بأكثر من 10% منذ بداية العام حتى الآن، وهو أكبر تراجع للعملة الأمريكية في سنة واحدة منذ 1973، حين أعلن ريتشارد نيكسون فك ارتباط الدولار بالذهب.

هذا الانخفاض شمل جميع العملات الرئيسية في سلة المؤشر، منها اليورو، الين الياباني، الجنيه الإسترليني، الدولار الكندي، الكرونة السويدية، والفرنك السويسري. تقييمات أسعار الصرف الحقيقية تشير إلى وجود مبالغة في قيمة الدولار الأمريكي، مما يشير إلى احتمال استمرار انخفاضه على المدى الطويل أكثر من ما حدث حتى الآن.

تقييم الدولار الأمريكي وآفاق انخفاض قيمته بين العوامل الدورية والهيكلية

يتم تحليل تقييم العملة من خلال أسعار الصرف المرجحة بالتجارة والمعدلة حسب التضخم، أو ما يُعرف بأسعار الصرف الفعلية الحقيقية، التي تقيس التغيرات في التجارة بين الدول وتفاوتات التضخم. تشير البيانات في منتصف عام 2025 إلى استمرار مبالغة كبيرة في قيمة الدولار مقارنة بمتوسطات 5 و10 و20 سنة. وعلى الرغم من أن التعديل الدوري قد يضع الدولار قرب قيمته العادلة على المدى القصير، إلا أن التقييمات طويلة الأجل تشير إلى استمرار الإفراط في تقدير قيمته، وهو ما يخلق بيئة مواتية لضغوط بيع على الدولار الأمريكي.

من الناحية الدورية، من المتوقع تراجع التفوق الأمريكي مع اقتراب فوارق النمو وأسعار الفائدة من معدلات الاقتصادات المتقدمة الأخرى. من المتوقع انخفاض فرق نمو الناتج المحلي الإجمالي بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو من متوسط 220 نقطة أساس إلى 70 نقطة أساس خلال 2025-2027، مدفوعاً بسياسات مالية سالبة وسياسات هجرة متشددة في الولايات المتحدة مقابل سياسات مالية أكثر تحفيزاً في أوروبا. كما يتوقع أن يؤدي تقارب السياسات النقدية بين البنك المركزي الأوروبي والبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى تضيق الفارق في أسعار الفائدة من 170 نقطة حالياً إلى الصفر بحلول نهاية 2026، ما سيدعم ارتفاع اليورو مقابل الدولار، ويضغط على مؤشر الدولار الذي يشكل اليورو نسبة 57.6% من سلة العملات فيه.

التغيرات الهيكلية وتأثيرها على الدولار الأمريكي في ظل السياسات الأمريكية لعام 2025

على المستوى الهيكلي، تسعى إدارة ترامب إلى إعادة هيكلة الاقتصاد من خلال تقليص العجز في الحساب الجاري وإعادة توطين قطاعات التصنيع الحيوية، ما يتطلب تقليل الفوائض التجارية من الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة، وبالتالي تقليل التدفقات المالية الداخلة التي تدعم الدولار الأمريكي. ويُعد هذا التوجه جزءاً من إعادة التوازن العالمي في تخصيص رؤوس الأموال، حيث من المتوقع حدوث موجة كبيرة من تدفقات رؤوس الأموال الخارجة من الولايات المتحدة في السنوات القادمة.

تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تُعد حالياً مديناً صافياً بنسبة سلبيّة كبيرة تبلغ 24.6 تريليون دولار في صافي مركز الاستثمار الدولي (NIIP)، ما يجعل أي تصحيح ولو كان بسيطاً يستدعي خروج المزيد من رؤوس الأموال، وبالتالي زيادة ضغوط البيع على الدولار على مدى زمن طويل.

  • الأداء القوي للأسواق المالية الأمريكية يدعم الدولار على المدى المتوسط
  • التقييمات الفعلية للعملة تشير إلى مبالغة في قيمتها على المدى الطويل
  • التغيرات في السياسات النقدية والمالية الأوروبية مقابل الأمريكية تؤثر سلباً على الدولار
  • التوجه الهيكلي لإعادة التوازن الاقتصادي الأمريكي يحد من تدفق رؤوس الأموال الداخلة
العامل التأثير على الدولار الأمريكي
مؤشر الدولار (DXY) 2025 حتى الآن انخفاض بأكثر من 10%
فارق نمو الناتج المحلي الإجمالي (2025-2027) انخفاض من 220 إلى 70 نقطة أساس
فارق أسعار الفائدة بين أمريكا ومنطقة اليورو تضيق من 170 نقطة إلى 0 نقطة
صافي مركز الاستثمار الدولي (NIIP) سالب 24.6 تريليون دولار

باختصار، بالرغم من أن انخفاض الدولار الأمريكي في 2025 يبدو أكبر حركة عملة سنوية منذ عقود، فإن “مبالغة تقييم” الدولار تُشكّل عاملاً أساسياً في تحفيز استمرار ضغوط البيع، مع توقع تراجع الاستثنائية الأمريكية لما تحققه من ميزة نسبية مقارنة بالاقتصادات الكبرى الأخرى. التغيرات الفنية والسياسية والهيكلية مجتمعة تشكل بيئة معلّقة بين أنقاض تفوق قديم وتحولات كبرى في موازين القوة الاقتصادية العالمية، مما يعكس طبيعة ديناميكية لقيمة الدولار وسط تقلبات الاقتصاد العالمي.