«فرص واعدة» الذكاء الاصطناعي في الخليج العربي هل يشهد تطوراً غير مسبوق؟

الذكاء الاصطناعي يمثل اليوم عصب التطوير الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة العربية، وخاصة في الخليج العربي الذي يتسابق لبناء بنية تحتية رقمية متطورة تُمكّنه من قيادة موجة التحول الرقمي؛ وتتنوع المبادرات بين مشاريع المدن الذكية ومراكز البيانات الضخمة، لتُشكّل أساسًا لبناء مستقبل رقمي مستدام يواكب الطموحات العالمية ويتجاوز الفجوات المعرفية التي تواجه الدول العربية عموماً

مكانة الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية وتأثيره المتصاعد

الذكاء الاصطناعي حقق ثورة تقنية هائلة أدت إلى تحولات جوهرية في مجالات التعليم، الاقتصاد، الحوكمة، والدفاع، لكن التفاوت واضح في مستوى الاستعداد لدى الدول العربية؛ حيث تتصدر دول الخليج، ومن بينها السعودية والإمارات، المراكز المتقدمة استنادًا إلى استعدادها الرقمي القوي، بينما تواجه دول عربية أخرى تحديات كبيرة في سد الفجوة الرقمية والمعرفية، الأمر الذي يدفع باتجاه تكثيف الجهود لتطوير البنى التحتية والمهارات البشرية الأساسية التي ترفع من قدرات المنطقة على منافسة الأسواق العالمية

مؤشرات استعداد الذكاء الاصطناعي في الخليج العربي

بحسب تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، سجلت دول الخليج معدل جاهزية 0.54 في تبني الذكاء الاصطناعي، متفوقة على المعدل العالمي 0.47، والمتأخرة كثيرًا مقارنة بالدول العربية الأخرى التي سجلت 0.34 فقط، ويُعزى هذا التقدم إلى اهتمام هذه الدول بإنشاء بنى تحتية رقمية متطورة، تعزيز رأس المال البشري، واتباع سياسات تنظيمية مرنة تسهل ابتكار الحلول المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، ما جعلها نموذجًا يحتذى به في المنطقة

كيف يدعم الذكاء الاصطناعي القطاعات الحيوية في الخليج العربي؟

الذكاء الاصطناعي أصبح أداة رئيسية في تطوير قطاعات متعددة حيث تجلس دول الخليج في الصدارة بسبب استراتيجياتها الاستثمارية، وفيما يلي أبرز الاستخدامات:

• التعليم الرقمي المتقدم الذي يعتمد على الفصول الذكية والتعلم الموجه
• التحول في القطاع الأمني عبر أنظمة ذكية تراقب وتحلل التهديدات بشكل فوري
• المشاريع الضخمة للمدن الذكية التي تعتمد على الذكاء لتوفير الخدمات بكفاءة
• إدارة الفعاليات الكبرى مثل كأس العالم في قطر بتقنيات متطورة لإدارة الحشود
• الزراعة الذكية التي تعتمد على تحليل البيانات لتحسين المحاصيل وتقليل الهدر

التزام دول الخليج يتجسد من خلال إطلاق صناديق استثمارية ضخمة بلغت 40 مليار دولار للسعودية وميزانيات مماثلة للإمارات تستهدف بناء منظومات شاملة تشمل الحوسبة الفائقة وأشباه الموصلات، حيث تستقطب السعودية بمراكز بياناتها العشرين الحالية وتخطط لإنشاء 40 مركزًا إضافيًا، عددًا كبيرًا من شركات التكنولوجيا العالمية، في خطوة تؤكد على أهمية الذكاء الاصطناعي كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي الرقمي

ما يميز هذه الطموحات هو التزام تعزيز القدرات البشرية، حيث تعمل مصر على تحسين التعليم الذكي والمبادرات الزراعية المدعومة بالتقنية، رغم الفجوة المعرفية التي ما تزال تحديًا كبيرًا لبعض الدول العربية التي تركز على البنية التحتية دون الابتكار في الخدمات المجتمعية مثل الصحة والتعليم، مما يؤدي إلى اعتماد غير مستدام على الخبرات الأجنبية بسبب نقص البرامج الأكاديمية والمبادرات البحثية المحلية

تجارب مثل مشاريع “نيوم” في السعودية، وبرنامج “فالكون” الإماراتي، ونظم إدارة مونديال قطر، تقدّم نماذج قابلة للتوسع في المنطقة شرط تفعيل التعاون وتبادل الخبرات بهدف خلق بنية موحدة تسمح للدول العربية بأن تتحول من مستهلك للتكنولوجيا إلى مبدع ومصدر لها عبر سياسات موحدة تحفز الشركات الناشئة وتشجع التشريعات الذكية ودمج الذكاء الاصطناعي في كل القطاعات الحيوية

الذكاء الاصطناعي في الخليج العربي ليس مجرد تقنية بل رؤية متكاملة تعزز من مكانة المنطقة عالميًا وتدفعها نحو واقع رقمي متطور يدعم صناعة مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي بشكل قوي بينما الأيام القادمة ستشهد بالتأكيد المزيد من التطورات التي ستغير قواعد اللعبة وتخلق فرصًا عدة للمجتمعات العربية للاستفادة من تلك التقنية المتقدمة بأسلوب يحترم خصوصياتها الثقافية والاقتصادية