اكتشافات جديدة في الجسيمات الشبحية داخل النجوم.. ماذا تعني لفيزياء الكون؟

النيوترينو هو جسيم دون ذري خفيف للغاية، تكاد كتلته تكون معدومة مقارنة بالجسيمات الأخرى، ويتصف بقلة تفاعله مع المادة؛ إذ يمكنه عبور الأرض أو جسم الإنسان دون أن يتأثر أو يتسبب في أي تفاعل يُذكر، مما أطلق عليه اسم “الجسيم الشبح”. تمر عبر جسمك بشكل مستمر موجات ضخمة من النيوترينوات، ويُقدّر العلماء هذا العدد بحوالي 100 تريليون جسيم في كل لحظة، وهذه الجسيمات تأتي بثلاث نكهات رئيسية: الإلكترون نيوترينو، الميون نيوترينو، والتاو نيوترينو، وتتولد من العمليات النووية داخل النجوم، والانفجارات النجمية العظيمة، أو التفاعلات النووية على الأرض.

تأثير التفاعلات السرية للنيوترينو على انهيار النجوم الضخمة

في دراسة حديثة نُشرت في دورية “فيزيكال ريفيو ليترز”، أجرى فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو تحقيقًا معمقًا حول تأثير التفاعلات السرية بين النيوترينوات على مراحل انهيار النجوم الضخمة. خلال انهيار هذه النجوم، تُنتج كميات هائلة من جسيمات النيوترينو التي تستهلك الطاقة الحرارية للنجم، مما يخلّص النجم من جزء كبير من طاقته ويؤدي إلى انكماشه. حينما تصل كثافة النجم إلى مستويات عالية جدًا، تحاصر جسيمات النيوترينو بعضها البعض وتتداخل تفاعلاتها، وتكشف الدراسة حالة متناقضة جيدة: إذا اقتصرت تلك التفاعلات على ما تنص عليه النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، فمن المتوقع أن تكون أغلبية النيوترينوات من نكهة الإلكترون، ويظل النجم “باردًا” نسبيًا، وفي هذه الحالة، يُترك وراء الانهيار بقايا نجم نيوتروني.

النموذج القياسي في الفيزياء هو النظرية التي تفسر التفاعلات بين الجسيمات الأولية المشكلة للمادة والطاقة في الكون، حيث تُعد جسيمات مثل الكواركات والإلكترونات اللبنات الأساسية، وتتوسط القوى الأساسية تفاعلاتها، ويشكل هذا النموذج الإطار الأساسي لفهمنا للعالم دون الذري.

النيوترينو وتشكيل الثقوب السوداء في النجوم المنهارة

إذا ما تمكّنت جسيمات النيوترينو من التفاعل بطرق غير معروفة حتى الآن، فإن ذلك قد يؤدي إلى ظهور نكهات جديدة من هذه الجسيمات، مما يخلق نواة نجمية ساخنة وغنية بالنيوترونات بشكل كبير، وهذا بدوره يزيد من احتمالية تحول النجم المنهار إلى ثقب أسود بدلاً من نجم نيوتروني. هذه الفرضية تعززها ملاحظات سابقة تبيّن أن في بعض الأحيان، يزداد احتمال انهيار النجوم الضخمة وتحولها إلى ثقوب سوداء، وهو ما يعيد تشكيل مفاهيمنا حول حياة ونهاية النجوم العملاقة.

النكهة النيوترينية تأثيرها على النجم المنهار
نكهة الإلكترون نجم نيوتروني متبقي وكتلة نجم باردة نسبياً
نكهات متعددة وأخرى جديدة نواة نجمية ساخنة وغنية بالنيوترونات؛ احتمال ثقب أسود أعلى
  • إنتاج النيوترينوات من العمليات النووية في النجوم والمستعرات العظمى
  • تأثير تفاعلات النيوترينو على فقدان طاقة النجوم وانكماشها
  • الفرص المفتوحة لاكتشاف فيزياء جديدة من خلال تجارب مستقبلية

تجربة النيوترينو العميقة ودورها في كشف فيزياء جديدة

السؤال المحير: إلى أي مسار ستتجه جسيمات النيوترينو خلال مراحل انهيار النجوم؟ وهل تعتمد على تفاعلات معروفة أو على تفاعلات سرية لم تُكتشف بعد؟ لا تزال هذه الأسئلة بلا إجابة حاسمة، إلا أن التجربة القادمة المعروفة باسم “تجربة النيوترينو العميقة تحت الأرض للنيوترينوات” (DUNE) ستُجرى في مختبرات فيرمي الوطنية لتختبر هذه الفرضيات. من المتوقع أن تبدأ هذه التجربة في عام 2029، حيث سيتم تركيب أجهزة الكشف الخاصة بها تحت الأرض في ولاية داكوتا الجنوبية، وقد يبدأ تشغيل الحزمة النيوترينية في عام 2031 عقب الانتهاء من تجهيز المنشآت.

هذه التجربة، بالإضافة إلى الملاحظات المستقبلية للنيوترينوات والموجات الجاذبية الناتجة عن انهيار النجوم، قد تقدم أدلة مهمة تؤكد وجود تفاعلات سرية بين جسيمات النيوترينو، وهو ما قد يمثل او يفسّر فيزياء جديدة لم يكن للبشر سابقة معرفة بها. هكذا، يبقى النيوترينو مفتاحًا لفهم أسرار الكون والخفايا المتعلقة بنهاية حياة النجوم العظيمة.