تفضيل غير متوقع.. البنوك المركزية تزيد اقتناء الذهب بدلاً من السندات الأمريكية

الاحتياطيات العالمية للبنوك المركزية من الذهب تتصدر المشهد الاقتصادي وتعيد تشكيل التوازن المالي العالمي؛ حيث أضحى الذهب يشكل 27% من هذه الاحتياطيات متفوقًا لأول مرة منذ عقود على سندات الخزانة الأمريكية، مما يعكس تحولًا جذريًا في السياسة الاقتصادية التي اعتمدتها الدول منذ أواخر التسعينيات.

تحولات الاحتياطيات العالمية للبنوك المركزية من الذهب ومستقبل الاقتصاد

في أواخر التسعينيات، وقبل دخول اليورو حيز التنفيذ، شهدت أوروبا موجة بيع ضخمة للذهب من قبل العديد من دولها، الأمر الذي أدى إلى هبوط سعر الأوقية إلى نحو 250 دولارًا في أغسطس 1999، بانخفاض بلغ 40% مقارنة بمستوى 1996، ما دفع البنوك المركزية إلى المبادرة باتفاقية في واشنطن خلال اجتماع صندوق النقد الدولي السنوي، تهدف إلى الحد من مبيعات الذهب بين الدول الأوروبية. وبعد مرور ما يقرب من ثلاثين سنة، تغيّرت بيئة الاحتياطيات النقدية للبنوك المركزية بشكل كلي، وأصبح الذهب يستحوذ على 27% من مجمل الاحتياطيات العالمية مسبوقًا بسندات الخزانة الأمريكية التي انخفضت إلى 23%، لأول مرة منذ عام 1996، إذ يمثل هذا الانتقال انعكاسًا لاستراتيجية أكثر تحفظًا في ظل تقلبات الأسواق العالمية.

حيازات قياسية للذهب وأسباب تفوقه على سندات الخزانة اليورو والدولار

تضمنت التحولات الأخيرة ارتفاع حجم احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية إلى مستويات لم تشهدها منذ عقود، حيث تمتلك حالياً 36 ألف طن من الذهب بقيمة تقارب 4.5 تريليون دولار، متجاوزة بذلك احتياطياتها من سندات الخزانة الأمريكية التي تبلغ قيمتها نحو 3.5 تريليون دولار، وتزامن ذلك مع ارتفاع سعر الأوقية إلى أكثر من 3500 دولار. هذا التفوق في حيازات الذهب انعكس أيضًا في تصدره على اليورو ليصبح ثانية أكبر الأصول في الاحتياطيات الأجنبية العالمية بنسبة 20% نهاية 2024، متجاوزاً اليورو الذي بلغ نصيبه 16%، في حين انخفضت حصة الدولار إلى 46%. يعود هذا التغير إلى مضاعفة أسعار الذهب منذ أواخر 2022، مدفوعة بشراء البنوك المركزية بكميات فاقت ألف طن سنويًا على مدى ثلاث سنوات؛ بمعدل ضعف متوسط الشراء السابق، مما أعاد الاحتياطيات إلى مستويات السبعينيات.

الأصل الحصة في الاحتياطيات العالمية (%)
الذهب 27
سندات الخزانة الأمريكية 23
اليورو 16
الدولار 46

دوافع وتحديات احتياطيات الذهب العالمية بين التعددية القطبية والتوترات الجيوسياسية

أظهرت بيانات وزارة الخزانة الأمريكية أن البنوك المركزية تحتفظ بسندات خزانة بقيمة 3.9 تريليون دولار مقابل 3.86 تريليون دولار من الذهب، مع ارتفاع قيمة الذهب إلى 4.2 تريليون دولار عقب ارتفاع أسعاره منذ يونيو، مما يدل على تحول واضح في مراكز الأصول النقدية. وأشار مجلس الذهب العالمي إلى أن البنوك المركزية أصبحت مشتريًا صافياً للذهب، عكس العقود الماضية التي شهدت مبيعات واسعة، في حين يبرز بنك التسويات الدولية أن الذهب بات ملاذًا آمنًا أكثر قوة في ظل عالم متعدد الأقطاب. وتعزى الزيادة في الاحتياطيات إلى عوامل سياسية وجيوسياسية، فالدول القريبة من الصين وروسيا شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في حصة الذهب منذ 2021، كما أن تجميد الأصول الروسية لدى مجموعة السبع دفع بعض البنوك لتقليص الاعتماد على النظام المالي الغربي. إلى جانب ذلك، تصاعدت مخاوف التضخم بعد جائحة كورونا، ما دفع البنوك المركزية لتعزيز شراء الذهب كتحوط آمن، خاصةً مع الضغوط المالية التي تواجه سندات الخزانة الأمريكية من عجز مالي وارتفاع في أسعار الفائدة.

  • تجميد أصول روسيا وتأثيره على تخفيض الاعتماد على النظام المالي الغربي
  • تزايد المخاطر الجيوسياسية وتعميق حالة عدم اليقين الاقتصادي
  • مخاوف البنوك المركزية من التضخم وارتفاع الفائدة وتأثيرها على سندات الخزانة
  • مضاعفة مشتريات الذهب خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى أكثر من ضعف متوسط الأعوام السابقة

يبقى السؤال الحائر عما إذا كان الذهب سيعود ليحتل الحصة الهائلة التي بلغها في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات والتي وصلت إلى 75% من الأصول الاحتياطية للبنوك المركزية، لكن ذلك يبدو مستبعدًا في الظروف الحالية؛ فهو يتطلب أزمة اقتصادية طويلة الأمد وارتفاعًا واضحًا في الضغوط التضخمية، إلى جانب تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية وتفاقم الشكوك الاقتصادية، وحينها فقط قد يتأكد تفوق الذهب رسميًا على حيازات سندات الخزانة في البيانات القادمة التي سيراقبها العالم بعناية.

المصادر: أرقام – حساب “محمد العريان” على “لينكد إن” – فاينانشال تايمز – بلومبرج – رويترز – ديسكفري ألرت – ماركتس – كيتكو