اعتماد تاريخي.. الاتحاد الأوروبي يعلن إطلاق «اليورو الرقمي» لمنافسة الدولار الأمريكي

اليورو الرقمي يترقب أن يشكل تحوّلًا جذريًا في النظام المالي الأوروبي، ليكون بديلاً فعّالاً وقوياً للأنظمة المالية الأمريكية مثل “فيزا” و”ماستركارد”، حيث اتفق وزراء مالية الاتحاد الأوروبي على خارطة طريق واضحة لإطلاق هذه العملة الرقمية بهدف تعزيز استقلالية أوروبا المالية وتوسيع نطاق سيطرتها على المدفوعات الرقمية بآمان وكفاءة.

الدوافع السياسية والاقتصادية وراء إطلاق اليورو الرقمي

يمثل إطلاق اليورو الرقمي خطوة استراتيجية محورية في مشوار الاتحاد الأوروبي نحو تحقيق استقلال مالي وسياسي أعمق، إذ جاء الاتفاق على المشروع خلال اجتماع عقد في كوبنهاغن جمع وزراء المالية ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد والمفوض الأوروبي فالديس دومبروفسكيس؛ حيث أكد الوزراء أن اليورو الرقمي، الذي يقدم كنوع من المحافظ الإلكترونية المدعومة من البنك المركزي، قادر على تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على القوى الأجنبية في مجالات حيوية كقطاعي الطاقة والمالية والدفاع. فضلاً عن كونه ردًا غير مباشر على محاولات الولايات المتحدة تعزيز العملات المستقرة التي ترتبط بالدولار الأمريكي، لا سيما بعد المحاولات السابقة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتوسيع هيمنة الدولار عبر أدوات مالية متنوعة. تأتي هذه الخطوة لتعزيز مكانة العملة الأوروبية وتقليل الاعتماد على بطاقات الائتمان الأمريكية، مما يعزز سيادة الاتحاد على النظام المالي الرقمي.

أبرز التحديات التشريعية والتنفيذية أمام اليورو الرقمي

مع تقدم خريطة طريق إطلاق اليورو الرقمي، تبرز عدة تحديات تشريعية تواجه البنك المركزي الأوروبي، حيث عَبّر المشرعون والمصرفيون عن مخاوف جدية تتعلق بتأثير العملة الرقمية على سيولة البنوك، والارتفاع في التكاليف التشغيلية، إضافة إلى مخاوف تتعلق بحماية الخصوصية وتأمين البيانات المالية للمستخدمين. وتشمل الاتفاقيات الأخيرة تحديد سقف معين للمبالغ التي يمكن أن يحتفظ بها كل مقيم بالعملة الرقمية، لتفادي حدوث سحب جماعي غير متوقع من الودائع المصرفية مع تفعيل النظام، وهو عامل حاسم لاستقرار الأسواق المالية. رغم تقديم المفوضية الأوروبية للتشريع الخاص باليورو الرقمي في يونيو 2023، فإن العملية التشريعية ما تزال قيد الانتظار للحصول على الموافقات النهائية من البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي، مع توقع بدء التنفيذ التشريعي في يونيو 2024.

الإطار الزمني والتطلعات المستقبلية لإطلاق اليورو الرقمي

يشير البنك المركزي الأوروبي إلى أن عملية إطلاق اليورو الرقمي قد تستغرق بين عامين ونصف إلى ثلاثة أعوام على الأقل، حيث يعتمد هذا الإطار الزمني على إكمال التشريعات الضرورية وتجهيز البنية التحتية الرقمية الملائمة، إلى جانب الاستعدادات التقنية والتنظيمية المؤهلة. وتوضح كريستين لاغارد أن اليورو الرقمي ليس مجرد وسيلة دفع، بل يحمل رسالة سياسية توضح سيادة أوروبا وقدرتها على إدارة نظام مدفوعات متطور وفعال يتعامل مع العمليات العابرة للحدود عبر بنية تحتية أوروبية متقدمة. وتكمن الأهداف الأساسية لليورو الرقمي في تعزيز القوة الاقتصادية والسياسية للاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية من خلال تقديم خيارات دفع رقمية حديثة تضمن الأمان والراحة للمستخدمين.

• تقليل الاعتماد الأوروبي على أنظمة الدفع الأمريكية التقليدية
• تعزيز استقلال الاتحاد الأوروبي الاقتصادي والسياسي
• ضمان حماية أمان البيانات والخصوصية، مع تقليل مخاطر سيولة البنوك
• إتاحة وسيلة دفع رقمية آمنة ومطورة للمستخدمين الأوروبيين

يمثّل اليورو الرقمي خطوة فارقة في مسار تطور النظام المالي داخل أوروبا، حيث يسهل الانتقال التدريجي نحو اقتصاد رقمي أكثر شفافية واستقلالية، مع إقامة بنى تحتية حديثة تجمع بين الحماية والكفاءة؛ ما يعزز موقع الاتحاد الأوروبي كقوة مؤثرة اقتصاديًا وسياسيًا على المستوى العالمي، مع تقليل الاعتماد على الأطراف الخارجية التقليدية في مجال المدفوعات الرقمية